المطلب الأول: حق الانتخاب وسيلة ديمقراطية لإسناد السلطة:إن عملية الانتخابات الشعبية برمتها تفيد في إضفاء الشرعية "Legitimizing" التي تدفع بمعظم المواطنين إلى الاعتراف بحق المرشحين المنتخبين في وضع السياسة العامة. وهذا يفيد في توسيع نطاق المشاركة]).
ويرى "Giovanni Sartori" إن الانتخابات هي اللحظة الحاسمة التي تعبر فيه الإرادة الشخصية عن نفسها، ولا تستطيع أن تعزل الحدث الانتخابي "electroal event" عن الدائرة الكلية لصناعة الرأي. فإذا كان صاحب السيادة الفعلي ليس هو المواطن وإنما المقترع، فالمقترع بدوره ليس سوى المواطن في اللحظة الحاسمة التي يطلب منه فيها أن يتصرف كصاحب سيادة وكذلك فإن السيادة الشعبية ما هي إلا مرحلة من مراحل العملية السياسية الشاملة]).
و يرى"Alan R.Ball" إن الانتخابات في أي نظام سياسي هي صورة من صورالاتصال السياسي بين الحكومات والمحكومين، ووسيلة يصبح بمقتضاها صانعو القرار السياسي آخذين بعين الاعتبار المطالب السياسية للناخبين، ويقومون بدور هام بتنوير الرأي العام فيما يتعلق بالمسائل السياسية الهامة. وتعتبر الانتخابات وسيلة ديمقراطية لإضفاء الشرعية على الحكام]).
وتعتبر الانتخابات من أهم قنوات الاتصال بين الرأي العام والحكومة، وهي فرصة رئيسة تتيح لغالبية الناخبين أن يعبروا عما يجول في خواطرهم، وهي فضلاً عن ذلك أداة صريحة لممارسة الحكم ولكنها لا تستخدم كثيراً، وإحصاء الأصوات يؤدي إلى تقرير من هو الحزب الذي يمكن أن يحكم، ونتائج الانتخابات عبارة عن حكم إجمالي لصالح الحزب أو ضده]).
إن الاقتراع العام أقرب إلى معرفة الرأي العام من الاقتراع المقيد، لأن الاقتراع العام يبعث في الأفراد روح الاهتمام بالشؤون العامة، ويعد بمثابة مدرسة للتربية السياسية للناخبين]).
ويعّبر الرأي العام عن ذاته بأكبر قدر من الوضوح في الانتخابات، حيث يرفض السياسة الماضية، رغم أنه لا يستطيع أن يحدد على وجه الخصوص ما يرفض قبوله وما يريد تغييره، ومن أمثلة الإحباط الشائعة لدى جمهرة الناخبين حول مسألتين أو أكثر على مستويات مختلفة، فإذا سادت الأغلبية في موضوع ما فقد تنهزم الأغلبية في موضوع آخر]).
تقوم الديموقراطيات الغربية على أساس الانتخابات التنافسية، التي تؤدي إلى إتاحة الفرصة أمام الناخبين لاختبار حقيقي وحر، اختبار بين برامج متعددة وأحزاب متعددة ومرشحين متعددين. وتدل الانتخابات التنافسية على قبول ظاهرة المجتمع المتعدد الذي يقوم على حرية الرأي وترجمها إلى واقع عملي. وفي أغلب الدول الغربية يمكن تكوين أحزاب شيوعية]).
وتعتبر الانتخابات الحرة خير المقاييس التي تعرف بها اتجاهات الرأي العام، وأنها تمثل قيداً خطيراً على ممارسة السلطة، لأنها تضع هؤلاء الممارسين للسلطة تحت مراقبة الرأي العام بصفة مستمرة وتجعل ممارستهم للسلطة في حدود القانون]).
وكلما أمعن المرء النظر في نفوذ الرأي العام ووزنه لنفاذ القاعدة الدستورية في نظام الحكم الديمقراطي، زادت قناعته بأهمية الزعامة السياسية ومسؤوليتها في تقديم الحلول البديلة باستمرار. وبناءً على ذلك، فإن الرأي العام يضع حدوداً عريضة تستطيع المناقشات الحكومية والنشاطات الرسمية أن تعمل في إطارها، وأي خروج على هذا الإطار يثير ثائرة الناس وتترتب عليه نتائج وخيمة، مثل انصراف الناس عن التصويت لصالح الحكومة في الانتخابات التالية]).
المواطن هو الأساس في العملية الانتخابية، ولذا وجب عليه المشاركة فيها، وأن يكون صوته أمانة وهو مسؤول عنه، وقد دعا البعض إلى أن تكون الترشيحات ضمن تكتلات انتخابية ذات برامج واضحة. وأن الديمقراطية تعني الحكم بواسطة الرأي العام، وهي طريقة لتصحيح الأخطاء وتنفيذ برامج تنموية شاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء مؤسسات ديمقراطية وإيجاد التشريعات اللازمة، وبناء شخصية المواطن]).
وقد دافع الفلاسفة عن وجوب الاعتراف بحق الانتخاب للفرد بوصفه حقاً طبيعياً لصيقاً بشخصيته وآدميته، بحيث لا يملك المشّرع حرمان الفرد من حق الانتخاب أو تقييد]).
المطلب الثاني: التكييف القانوني للانتخاب:اختلف الفقهاء في بيان التكييف القانـوني للانتخاب، وانقسموا في ذلك إلى فريقين :
أحدهما، نادى بأن الانتخاب حق شخصي، والآخر طالب بأن الانتخاب وظيفة.
وقد رتب كل فريق على ذلك نتائج مغايرة للآخر، وذلك أن الانتخاب حق يقتضي تقرير مبدأ الاقتراع المقيد بشروط خاصة، وفي هذا الصدد سادت أربع نظريات نلخصهـا على الشكل التالي:
أولاً: نظرية الانتخاب حق شخصي:وفقاً لهذه النظرية يعد الانتخاب حقاً شخصياً يتصل بالمواطن بوصفه عضواً في مجتمع منظم، ويستتبع ذلك أنه ليس للشارع وهو ينظم هذا الحق أن ينقضه أو ينتقص منه، وبذلك تقتصر وظيفة الشارع في هذا المجال على مجرد منع استعمال هذا الحق بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يستطيعون مزاولته، كعديمي الأهلية ومن هم في حكمهم(]).
على أن هذه النظرية وإن اتفقت والمبدأ الديموقراطي القائل بأن السيادة للشعب، وما يرتبه ذلك من تقرير مبدأ الاقتراع العام، بيد أن أهم ما لوحظ عليها، أنها لا تعبر عن الواقع الملموس، لأن الدساتير تتجه بوجه عام صوب تقييد مبدأ الاقتراع العام بشروط خاصة.
وما دام أنه لكل فرد من أفراد الشعب السياسي –حسب مبدأ الشعب- جزء من السيادة. فإنه يكون لكل منهم حق في مباشرة حقوقه السياسية ومنها الانتخاب، لذلك يعد الانتخاب طبقاً لمبدأ سيادة الشعب حقاً وليس وظيفة]).
ثانياً: نظرية الانتخاب حق عام:تقوم هذه النظرية- كسابقتها- على أن الانتخاب حق، ولكنها، تفترق عنها في أن هذا الحق ليس شخصياً، وإنما هو حق من الحقوق التي تتصل بالقانون العام، فهو بهذه المثابة سلطة قانونية يستمدها الناخب من القانون مباشرة وليس من كونه عضواً في مجتمع منظم ويستتبع ذلك، أن الشارع وحده هو الذي يختص بتقرير هذا الحق وإيضاح أحكامه.
ويتفرع عن ذلك نتيجتان: أولاهما، تتحصل في أنه ليس للناخب أن يتنازل عن هذا الحق، وثانيتهما، تتبدى في أن للشارع أن يعدل في شروط الانتخاب تضييقاً واتساعاً بما يراه متفقاً والصالح العـام، دون أن يكون للناخب الحق في الاعتداد بفكرة الحق المكتسب في هذا المجال]).
ثالثاً: نظرية الانتخاب وظيفة وليس حقاً:يرى أنصار هذه النظرية أن الانتخاب وظيفة بواسطتها يسهم المواطنون في التعبير عن الإرادة العامة. وأساس ذلك، أن حق الانتخاب مقرر لصالح المواطن، ومن ثم وجب على المواطن أن يزاول هذا الحق لحساب الشعب وعلى مقتضى القانون، مثله في ذلك الشخص الذي يباشر وظيفة عامة. وظاهر أن أنصار هذه النظرية يستهدفون بذلك، تقرير حق الشارع، وهو في سبيل تنظيم حق الانتخاب بأن يقيده بشروط خاصة]).
إذا كانت السلطة الآمرة العليا في الدولة للشخص الجماعي الواحد ولا يجوز تجزئتها على الأفراد فإنه يستحيل على أفراد الشعب ممارسة شؤون السلطة أو الإدعاء بوجود حق لهم في ذلك. وعلى هذا فاختبار النواب الممثلين لهذا المجموع لا يعد حقاً للأفراد بقدر ما هو وظيفة وواجب يحتمان اختبار الأصلح لممارسة شؤونهم.
وفي الواقع، أن تحديد هيئة الناخبين ضيقاً واتساعاً من جانب الشارع لا ترتد إلى النظريات التي تقدم ذكرها، بل إلى اعتبارات تتمثل في مدى نضج الشعب وتفهمه في وقت معين من جانب آخر. وإن هذه المسائل تختلف من دولة إلى أخرى، بل داخل الدولة الواحدة.
رابعاً: نظرية الاقتراع المقيد والاقتراع العام:أ) الانتخاب أو الاقتراع المقيد: يتطلب نظام الانتخاب المقيد في الفرد أن يكون على درجة من الاقتدار المالي، أو الكفاءة العلمية كي يتمتع بحق الانتخاب. وشرط القدرة المالية، كان قائماً في عهود كانت تنظر على أساس خاطئ للفرد بحسب مقدرته المادية. إلا أن هذه العهود قد انقضت ولم يعد هناك من يدافع عن شرط النصاب المالي أيا كانت صورته]).
أما فيما يتعلق بالكفاءة العلمية فلها صور عديدة، أن يكون الناخب ملماً بالقراءة والكتابة أو أن يكون حاصلاً على مؤهل علمي خاص. ولا يزال لهذا الشرط من يدافع عنه ويدعو إلى حرمان الأميين من ممارسة الانتخاب.
وفي ظل الانتخاب أو الاقتراع المقيد، لابد أن يكون الناخب مالكاً لعقار لا يقل إيراده السنوي عن حد معين أو بأن يكون حائزاً لأرض أو مالكاً لرأس مال أو دافعاً لضريبة معينة.
ب) الانتخاب أو الاقتراع العام: بانتشار الديموقراطية والنظريات الاشتراكية تحول الاتجاه عن الانتخاب أو الاقتراع المقيد إلى الانتخاب أو الاقتراع العام. فليس صحيحاً أن المتمتع بكفاءة علمية يكون بالضرورة قادراً على حسن اختيار النواب. وحق الانتخاب لا يستلزم لحسن مباشرته قدراً من الوعي السياسي الذي يمكن لأي فرد أن يصل إليه من ممارسته لذلك الحق، وتمكين الفرد– ولو كان فقيراً أو أمياً - من مباشرة حق الانتخاب، هو السبيل الوحيد لحثه على الاهتمام بالمسائل العامة وإكسابه التجربة والوعي في ممارستها. وإذا كانت الدولة هي الملتزمة أصلاً بتعليم الفرد وتحقيق المستوى الواجب له مادياً وعلمياً، فإنه لا يجوز أن يترتب على الإخلال بهذا الالتزام معاقبة الفرد بحرمانه من حق الانتخاب ومن ثم معالجة الخطأ بخطأ آخر(]).
وأثبتت التجربة أن تقييد حق الانتخاب يؤدي إلى الإقلال من عدد الناخبين وتعريض هؤلاء للمؤثرات من جانب السلطة التنفيذية، في حين أن توسيع حق الانتخاب يجعل هيئة الناخبين أكبر عدداً وأقل تعرضاً للمؤثرات، فيكون الانتخاب أصدق تمثيلاً للرأي العام.
--------------------------